ورش الكتابة الروائية- صقل الموهبة أم وهم الإبداع؟

ممّا لا شك فيه أنّ فن الرواية يشهد ازدهاراً لافتاً للنظر في هذه الأيام، وأنّ لقب "روائي" قد اكتسب وهجاً وبريقاً لا يمكن تجاهله. هذا التألق الأدبي بدأ يتغلغل في أوساط المجتمع بصورة عامة، ممّا أسهم إلى حدّ كبير في إذكاء رغبة الكثيرين في خوض غمار التجربة الروائية، سواء بالانطلاق الفوري والجريء في عملية الكتابة، أو بالالتحاق بورش الكتابة الإبداعية وهم محملين بآمال عريضة، طمعاً في الخروج منها وقد اكتملت أدواتهم كروائيين.
القول بأن ورش الكتابة لا تصنع مبدعاً، هو قول صحيح تماماً، إذا نظرنا إلى الأمر بمنظور خط إنتاج صناعي، حيث تدخل المواد الخام من جهة وتخرج منتجات جاهزة من الجهة الأخرى. وفي هذا السياق، ما الذي يمكنه أن يصنع مبدعاً بهذه الطريقة الآلية؟
في المقابل، نجد من يدافع بشراسة عن الرواية بهدف منع تسرب الأشخاص الذين يفتقرون إلى الموهبة والخيال والأدوات اللازمة إلى هذا المجال. هذه المنافحة أدت، من بين أمور أخرى، إلى موقف حازم في رفض ورش الكتابة الإبداعية، باعتبارها مجرد محاولات يائسة لإنعاش جثث هامدة فقدت أي فرصة في الحياة.
لديّ وجهة نظر خاصة حول فكرة حماية قدسية الرواية والوقوف على أبوابها في وجه "المتطفلين"، وما تحمله هذه الفكرة من تزكية للذات وفرض لمنطقها وذائقتها، فضلاً عن افتراض مسبق بأن صاحب الفكرة هو صاحب المكان، بينما الآخرون مجرد زوار. لكنني هنا سأتجاوز رأيي الشخصي في هذا الأمر، وسأدخل مباشرة في الحديث عن تلك الورش الإبداعية التي، على الرغم من أن معارضيها يبدون وكأنهم يقفون على أرضية صلبة واحدة، إلا أنهم، في اعتقادي، ينطلقون من أسباب متعددة ومختلفة.
السبب الأول للرفض هو الادعاء بأن ورش الكتابة لا تصنع مبدعاً، وهذا صحيح تماماً، إذا ما اعتبرنا الأمر مجرد خط إنتاج مصنعي، حيث تدخل المواد الخام من جهة وتخرج منتجات مكتملة من الجهة الأخرى. وإذا كان الأمر كذلك، فما الذي يمكنه أن يخلق مبدعاً بهذه الطريقة؟ في الواقع، لا شيء! لا يوجد شيء قادر على تحويل الأشخاص العاديين إلى روائيين مبدعين بضغطة زر واحدة، لا القراءة المتعمقة، ولا مصاحبة الكتاب، ولا أي وسيلة أخرى.
إذن، جوهر المشكلة هنا هو الاعتقاد الخاطئ بأن الورش الإبداعية تعد بفعل السحر وتحقيق المستحيل، وهذا أمر لم أجد من يدعيه من العاملين في مجال التدريب على الكتابة. بل على العكس من ذلك، تركز الورش في بدايتها على مساعدة المتدرب على اكتشاف ما إذا كان يمتلك الموهبة والقدرة الكافية للاستمرار في هذا الدرب أم لا.
إنها بالتالي مرحلة اختبار وتقييم قبل أن تكون مكاناً لتخريج الروائيين. ورش الكتابة قادرة على الارتقاء بالمتدرب درجة أو درجتين، لكنها لا تستطيع أن تدفعه من نقطة الصفر إلى قمة الكتابة. إنها توجهه نحو الوجهة الصحيحة لكنها لا تسير به، تضع الخريطة أمامه لكنها لا تمنحه الكنز. وهي ليست قادرة على فعل ذلك على الإطلاق، لذلك فإن نهاية الورشة التدريبية غالباً ما تكون بداية المشوار الحقيقي في عالم الكتابة، وليست نهايته.
السبب الثاني يأتي في صورة اعتراض على وفرة الإنتاج الروائي الضعيف والمتردي في الأسواق، وهذا الاعتراض غالباً ما يكون في محله، إلا أنه يتجه في الاتجاه الخاطئ، فورش الكتابة الإبداعية لا تمنح المتدرب ترخيصاً أو ضمانة للنشر. وإنما سبب كثرة الأعمال "الرديئة" يرجع إلى تساهل دور النشر، أو قبولها طباعة الكتاب مقابل مبلغ مادي يدفعه الكاتب ليقتحم دنيا الرواية، بغض النظر عن جودة المادة التي يقدمها. ولعل ورش الكتابة تساهم في الحد من هذا التردي من خلال العمل على صقل الإمكانات وتهيئتها قبل خوض التجربة، أو من خلال صرف الفكرة عن ذهن غير القادر على مواصلة الدرب.
وهناك من يعترض بشكل أساسي على كون ورش الكتابة مدفوعة الأجر، وهذا أمر لا يسعني إلا أن أبدي استغرابي تجاهه!
في المقابل، أعتقد أن بعض أساليب التسويق لهذه الورش مثيرة للاستياء بسبب ميلها إلى تقليد أساليب التسويق المتبعة في دورات تطوير الذات التي تعد بمعجزات، وهذه الأساليب غالباً ما تصدر عن جهات ترعى التدريب ولا تعمل به. يجب على المدرب هنا أن يكون حازماً في التأكد من أن الإعلان عن ورشته لا ينتقص من طبيعة ما يقدمه.
كما أن وضع مدربي الكتابة الإبداعية في سلة واحدة قد يكون ساهم في هذا التشويش الذي يطال هذا المجال، فالقدرات والخبرات متفاوتة. فهناك من يتقن الكتابة لكنه يفتقر إلى القدرة على نقل المعلومة، وهناك من التف على عجزه الكتابي من خلال الحصول على الاعتراف من مجال التدريب. وهذه أمور متوقعة وشائعة في جميع المجالات الأخرى.
أخيراً، تجدر الإشارة إلى أنه في الوقت الذي لا تزال فيه هذه القضية غير محسومة تماماً في المنطقة العربية، يبدو العالم وكأنه تجاوز هذا الجدل فيما يتعلق بالكتابة الإبداعية، التي أصبحت علماً قائماً بذاته يُدرّس في المعاهد والجامعات المرموقة.